باحمد ارفيس،
مراحل الحمل والتصرفات الطبية الحديثة في الجنين بين الشريعة الإسلامية والطب المعاصر،
686 ص
رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، 2000
إنَّ المعارف البشرية في اتساع مستمر، وتطوُّر مطَّرد حثيث. وإنَّ تراكم الخبرات، وتوفُّر المعدَّات، والانفجارَ الهائل في مجال المعلومات، لا يزال يُقحِم الإنسان في أدوارٍ جديدة من التصرُّفات في بدنه ونسله ومحيطه.
ونتيجة لذلك ظهرت نوازلُ كثيرة، وأمورٌ مستحدثةٌ خطيرة، هي في أمسِّ الحاجة إلى أحكام شرعية تضبط مسارها، وتضع في طريقها المعالـمَ الكفيلةَ بحفظها من مغبَّة الانزلاق، وتقيها خطورةَ التردِّي في مهاو سحيقة، وبلاو وشيكة، لا تبعُدُ أن تُحيق بالبشريَّة جمعاء، فتورثَها الضنك والشقاء، إن هي استسلمت لهذه العاصفة الهوجاء، من غير تقيُّد بخلُق أو دين.
ولعلَّ ما يتصدَّر هذه النوازلَ والمستحدثاتِ، ما ظهر في مجال الطبِّ من تصرفات، كالاستيلاد الاصطناعي وزراعة الأجنَّة في الأرحام، وتجميد اللقائح واستعمالها في التجارب والبحوث العلمية، وما إلى ذلك من مستجدَّات.
ولا يزال الكثير من الإشكالات المطروحة في انتظار حلولٍ دينيةٍ وأخلاقيَّة، حتى في البلاد الغربيـَّة، حيث أصبحت الهيآت المختصَّة تنادي بضرورة وضع الضوابط وتقييد الممارسات في هذا المجال.
فمن حقِّ الناس أن يقفوا على حكم الدين في مختلف الممارسات الطبيَّة المستحدَثة، ومن أوكد الواجبات على العلماء أن يعملوا على استنباطه من مصادر الشريعة، ليبيِّنوه للناس فيعملوا به مطمئنِّين.
وجزى الله علماءَنا المعاصرين خيرا، فقد طرحوا الموضوع، ودرسوه من جوانبَ متعدِّدة. إلاَّ أنَّ منهم من تناوله من جانب طبِّيٍّ بحتٍ، مستعرضا أهمَّ مراحل الحمل، وطرقَ الاستيلاد كما يُجريها المختصون في مخابرهم، دون التعرُّض للجانب الشرعيِّ فيها؛ ومنهم من بنى الأحكام الشرعية على مــا تلقَّاه من هؤلاء الأطبَّاء دون تعمُّقٍ في الجانب الطبيِّ الذي هو أصلٌ لبناء الحكم الشرعيِّ.
ولقد أخذني اهتمام شديد بالموضوع وما فيه من جديد، بناء على ما تحصَّلَ لديَّ في هذا المجال من رصيد، بعد أن اشتغلتُ بتدريس العلوم الطبيعيَّة عقدا من الزمان أو يزيد.
وبعد أن سرتُ في الموضوع خطوات، تـبَّين لي ضرورةُ بنائه على تحديد مراحل الحمل وأزمنتِها، ثم تعيينِ زمن نفخ الروح في الجنين من خلالها. ذلك لأنَّ نفخَ الروح هو المناطُ لكثير من الأحكام، فعليه تتوقَّف معرفةُ حقيقة الإنسان، وبناءً على تلك الحقيقة تُخرَّجُ جميع التصرُّفات.
فمتى تنفخ الروح في الجنين؟
وهل اتَّفق العلماء على زمن حدوث ذلك النفخ، أم اختلفوا؟ وما هي مستنداتهم في كلِّ ذلك؟
وإذا كان الجنين بعد أن تنفخ فيه الروح إنسانا كامل الإنسانية كالمولود والبالغ، فماذا يُعتبَر قبل أن تنفخ فيه الروح؟
هل هو إنسان كامل الإنسانية، مثلَه بعد نفخ الروح؟
أم هو شيء آخر غيرَ ذلك، لا يتمتع بما للإنسان الكامل من حقوق؛ فيجوز حينئذ إجهاضُه للتخلُّص منه، أو للاستفادة من جسده في ميادين الطبِّ وزراعة الأعضاء وتحضير الأدوية واللقاحات، أو في ميادين البحثِ العلميِّ لدراسة النُّسُج البشرية ومدى استجابتِها لمختلف المؤثِّرات؟
وما هي الضوابط الأخلاقية والشرعية في كلِّ ذلك؟
وهل يمكن إضفاء حكمٍ كليٍّ على تلك التصرُّفات، أم أنَّ حكمها يختلف باختلاف الظروف والملابسات؟
ولقد لاحظت أنَّ للإجابة على هذه الأسئلة، لا بدَّ من دراسة مراحل الحمل مرحلةً مرحلةً، دراسةً معمَّقةً مستفيضةً، وذلك من ناحيتين:
1. من ناحية الطبِّ: باستعراض مـا توصَّل إليه الأطـبَّاء والمختصُّون في علم الأجنَّة، ومـا تأكَّد لديهم من معلومات عن تطوُّر الحمل ومراحلِه.
2. من ناحية الشرع: باستقراء النصوص التي تـتَّصل بالموضوع، ومحاولة فهمها على ضوء الطبِّ المعاصر.
ثم تأتي بعد ذلك دراسةُ التصرفات الطبيَّة الحديثة في الجنين، وإسقاطُ الأحكام الشرعيَّة عليها، وفقاً لنتائج دراسةِ تلك المراحل وتحديدِ أزمنتها.
تبعا لهذه المقدِّمات، وضعتُ خطَّةً لهذا البحث، فقسَّمته إلى بابَين، كلُّ باب يتضمَّن فصلين، وفي كلِّ فصل مبحثان…
ورأيتُ أن أصدِّر البحث بتمهيدٍ أقدِّم فيه بسطةً موجزةً لتطور علم الأجنَّة عبر التاريخ، ثمَّ أعرض بعض مـا جاء في القرآن الكريم وفي السنَّة، من إعجاز علميٍّ باهر في مجال علم الأجنَّة.
أمـا الباب الأوَّل، فقد خصَّصته لتحديد مراحل الحمل وأطواره، بما في ذلك مرحلة نفخ الروح وزمن حدوثه.
فاستعرضت في الفصل الأوَّل منه مراحلَ الحمل في النصوص الشرعية وفي الطبِّ. ثم خلصت إلى مقارنةٍ بين ما أثبته الطبُّ الحديث، ومـا ورد في النصوص الصحيحة.
وتعرَّضت في الفصل الثاني إلى نفخ الروح وزمنِ حدوثه، مقارنا بين الدلائل الطبيَّة والنصوص الشرعيَّة، ثم انتهيتُ إلى مقارنةٍ أفضَتْ إلى ترجيح مـا اطمأننت إليه من الأقوال التي تسندها الأدلة وتقوِّي حجَّتَها.
وأمـا الباب الثاني فتناولت فيه بالدراسة التصرفاتِ الطبيَّة في الجنين، وبيانَ حكمها الشرعي.
فجاء في الفصل الأول بيانُ طبيعة تلك التصرفات، والدواعي إليها، وطُرُق إجرائها.
وخصصت المبحث الأول للحديث عن الإجهاض وطرق إجرائه وأهمِّ الدوافع إليه؛ ثم تطرَّقت في المبحث الثاني إلى طرق الاستيلاد الاصطناعي وما ينجم عنها من آثار.
وجاء في الفصل الثاني بيانُ الأحكام الشرعية لتلك التصرفات.
فعرضت في المبحث الأوَّل الأسسَ التي يمكن بناء الأحكام عليها، ثمَّ استعرضتُ أقوال العلماء في الإجهاض، قديما وحديثا، مع عرض أدلَّتهم ومقارنتِها والترجيحِ بينها.
وفي المبحث الثاني سعيت إلى استنباط الأحكام الشرعية لمختلف التصرفات الطبيَّة في الجنين، بمـا في ذلك طرق الإجهاض الحديثة ومنع العلوق، واستعمال أعضاء الأجنَّة للزراعة والبحث العلميِّ، وكذا طرق الاستيلاد الاصطناعي ومـا يترتب عليها من آثار كاستئجار الأرحام، وتجميد اللقائح الفائضة، واستعمالهِا في التجارب الطبيَّة ومـا إلى ذلك . ويعتبر هذا الفصل الأخير خاتمةَ المطاف والثمرةَ العمليَّة لدراسة مراحل الحمل، وتعيينِ حدودهــا، وتحديدِ زمن نفخ الروح في الجنين.
ولطبيعة البحث التي تقتضي تقصِّي الأدلة الشرعية واستقراءَها، ثم تحليلَ مـا جاء فيها ومقارنتَها ببعضها وبمعطيات الطبِّ المعاصر، فإنَّ المنهج المتـَّبع كان منهجا استقرائيا وصفيا تحليليا مقارنا.
فكنت أتناول بالوصف والتفصيل التصرفاتِ الطبيَّة أوَّلاً، ثم أجمعُ مـا يتَّصل بها من أدلَّة شرعية وآراء فقهية، سواء كانت لعلماء متقدِّمين أو معاصرين، وأعمل على تحليلها والمقارنة بينها، لأنتهي بالجمع والتوفيق بينها، أو ترجيح القوي منها إن تعذَّر الجمع.
مقتبس من مقدمة المؤلف.
المؤلف من مواليد 1960، قبل تخصصه في الشريعة كان أستاذ الرياضيات والعلوم، قام بدراسة حول الأطعمة الإصطناعية بين الشرع و التحليل العلمي في حوالي 1000 صفحة، نال بها درجة الدكتوراه سنة 2008، وهو حاليا مقدم لحصة قرآنية "على بصيرة" على قناة فضائية جزائرية.
Disponible sur : www.eboxeditions.com
Pour nous contacter : contact[at]eboxeditions.com
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire